إلى ماذا تهدف العلاقة الجنسيّة في مجتمعنا الشرقيّ؟

 

لأنّ إقامة علاقة متوازنة بين أيّ شريكيْن لا يُمكن أن تُبنى على رغبةٍ أُحاديّة، ولأنّ قبول علاقة جنسيّة بهدف الإنجاب أو في إطار الواجب الزوجيّ سيقود عاجلاً أم آجلاً إلى حائطٍ مسدود، يُصبح من المهمّ تعريف الهدف من العلاقة الجنسيّة، كي نُحدد بشكلٍ أفضل الرهانات الحقيقيّة ومعايير النجاح أو الفشل. د. ساندرين عطاالله وعلى ضوء إجاباتٍ أعطتها 6 من قارئاتها، ستُحاول تحديد معنى العلاقة الجنسيّة في مجتمعنا الشرقيّ…

إلى ماذا تهدف العلاقة الجنسيّة؟

إجاباتٌ عدّة مُمكنة، وعليكِ أنتِ اختيار الجواب أو الأجوبة التي تُناسبكِ أكثر. وعندما تُقارنين إجاباتكِ مع إجابات شريككِ، ربّما ستكتشفان هدفاً مشتركاً يُقوّي لُحمة حياتكما الزوجيّة:

1.    الإنجاب

2.    تخفيف الشهوات

3.    لذّة الرجل

4.    لذّة المرأة

5.    إرضاء الشريك أو الشريكة

6.    لذّات ومشاعر مشتركة

7.    عقد الزواج

8.    المحافظة على تماسك الثنائيّ

9.    أن تكوني طبيعيّة

لميا: الإنجاب

تقول لميا (42 عاماً) وهي أُمّ لثلاثة أولاد، إنّ “الجنس لا يعني لي شيئاً بحدّ ذاته، فأنا أحبّ المداعبات التمهيديّة فقط. لديّ أشياء أهمّ أقوم بها… إنّه مضيعة للوقت، إلا إذا كنتُ في مرحلة الإباضة ونحن نرغب في إنجاب طفلٍ آخر”.

عندما تُشبع الرغبة بإنجاب طفل، تُصبح علاقة الحبّ فارغة من معناها لأنّها من دون هدف، فتُعاش كبحثٍ أنانيّ عن لذّة الرجل، حتّى تختفي كليّاً من حياة الثنائيّ. وبعد اتفاقٍ جمعهما سنواتٍ عدّة، يقضي بأن تكون علاقاتهما الجنسيّة للحاجة فقط، تنطفئ شعلة الرغبة في داخل المرأة ما إنْ تشعر  أن لا ضرورة للاستمرار في ذلك…

ويحمل تحقيق الإنجاب مكافأةً مزدوجةً: عاطفيّة وإجتماعيّة. فولادة الطفل لا تقدّم للأمّ فقط شعور الحبّ لوليدها، بل إعترافاً إجتماعيّاً بأنّها أصبحت من الآن وصاعداً “أمّاً”، وهو أمر يُقدّر جداً في مجتمعاتنا، حتّى لو كانت الضغوطات كبيرة، إلا أنّ الرهان يستحقّ العناء.

“تبدو اللّذة الجنسيّة ثانوية عندما يتطارح الزوجان الغرام من أجل الإنجاب، وغالباً ما تكون العلاقة سريعة سواء كانت ترافقها اللّذة أو لا.”

هلا: تخفيف الشهوات

أمّا هلا (36 عاماً) فتعتبر أنّ “ممارسة الحبّ هي وسيلة لتلبية حاجاتي الطبيعيّة ولتسكين شهواتي. إنها كالأكل والشرب. إنّها حاجة تكون جزءاً منّا من أجل البقاء. لديّ انطباع بأنّ هذا الأمر يتعلّق فقط بالرجال، لأنّهم مضطرون لتفريغ حيواناتهم المنويّة، لكن هذه الحاجة أشعر بها بشكلٍ خاص عند الإباضة. إنّه الجانب الحيوانيّ فينا”.

من المفيد هنا طرح موضوع المستويات المختلفة للحياة الجنسيّة:

–       المستوى الغريزيّ الشهوانيّ المرتبط  بالهرمونات.

–       المستوى القهريّ المتعلّق بالبحث عن اللّذة الذاتيّة.

–       المستوى العلائقيّ المستند إلى العلاقة مع الآخر.

–       المستوى العاطفيّ.

من الممكن إذاً أن تكون علاقاتنا الجنسيّة كما تصفها هلا، من أجل تخفيف الشهوات والحاجات، إنّما لسوء الحظ، يُعادل هذا الواقع عمليّة الإستمناء باستخدام عضو الشريك. فالرهان يقوم على بلوغ المتعة بشكلٍ سريع وكامل من خلال علاقة جنسيّة مجرّدة من المشاعر. فشلُ هذا النوع من الحياة الجنسيّة يظهر في الخيانة، بالإضافة إلى البحث المتواصل عن شريكٍ أكثر تكيّفاً مع رغباتنا الخاصّة وهي عدم اكتفاء دائم. هذا النوع من الحياة الجنسيّة يُحافظ على الوهم بالغنى والتنوّع، ولكن في الواقع، إنّ ضعف الارتباط العاطفيّ والخوف من الإلتزام، يمنعان أيّ نوع من المكافآت الحقيقيّة.

عدم معرفة الآخر

عدد كبير من النساء يعتقدنَ أنّ لدى الرجال حاجات جنسيّة كبيرة، ومن الضروريّ إكفاءهم بانتظام، وإلا سيبحثون عن نساء أخريات في مكانٍ آخر. وفي الوقت عينه، الكثير من الرجال مقتنعون بذلك، لأنّه نادراً ما تُسمع صرخة إعتراض على هذا الشرح.

غادة: تقاسم المشاعر والملّذات

“لي صديق منذ ثلاث سنوات، لكنْ أظنّ أنّنا سننفصل قريباً. فحتّى لو كنتُ أشعر معه باللّذة عندما نُمارس الحبّ، إلا أنّني لا أشعر أنّني مكتفية بهذه العلاقة. أنا لم أعد مُغرمةً به. لديّ إنطباع أنّه لم يعد مهتمّاً بوجودي، كما لو كنتُ مجرّد شيء بنظره، فنحن لا نتواصل أبداً وكلّ ما يجري بيننا آليّ. هو يعتقد أنّ الجنس لا علاقة له بالمشاعر، وأنا عكسه تماماً، أيّ لكي أشعر بالراحة بين ذراعيْ رجل، أنا بحاجة للحبّ”، تقول غادة (28 عاماً).

غادة تبحث عن صفات العلاقة مع شريكها. بالنسبة إليها، اللّذة هي وليدة علاقة غراميّة وليست هدفاً بحدّ ذاتها. العلاقة الجنسيّة هي مناسبة للتعبير عن تواصلٍ قويّ بين الشريكيْن. إنّها تحمل الإكتفاء وتسمح بالتبادل الكامل للإنفعالات. في الواقع، هذه الرؤيا للأشياء تشترط إقامة نقاط إرتكاز خاصّة بكلّ شخص، وذلك بالنسبة إلى الضغوط الثقافيّة التي تُثقل الانفتاح الجنسيّ. لسوء الحظ، لا يبدو أنّ شريك غادة قد بلغ هذا النضج الجنسيّ، فمعنى العلاقة الجنسيّة يختلف بينه وبين غادة. هي لديها إنطباع بأنّ صديقها يهملها ولا يهتمّ بشخصها، أمّا هو فيرى أنّ العلاقة الجنسيّة وسيلة لتلبية حاجة أساسيّة وليس وسيلة لتبادل المشاعر والعواطف من خلال الشهوانيّة، ولذلك هي تشعر بالوحدة على الرغم من الرغبة الجنسيّة المشتركة.

يمنى: عقد الزواج

تقول يمنى (53 عاماً): “نحن مدينون لهم كثيراً على أيّ حال، فهم يقدّمون لنا الكثير. هذا هو واجبنا تجاههم ومكافأتنا لهم في الوقت عينه. المرأة تهتمّ برجلها مقابل أن يُشعرها بالأمان والإستقرار”.    

كأنّ يُمنى تبنّت “عقداً” يتحكّم بعلاقتها، إذ تعتبر أنّ العلاقة الجنسيّة هي مكافأة وتبادل تصرّفات منتظرة. هذا النوع من الوظيفة الجنسيّة يُشبه الوظائف الحيوانيّة المتعدّدة. ففي الزمن الذي لم تحصل فيه المرأة على استقلاليّتها الماديّة وعلى الاعتراف بكينونتها الإجتماعيّة، ما عدا تلك التي يقدّمها لها الرجل، كانت توقّعاتها تجاهه محصورة: على الرجل حمايتها، وتقديم الغذاء لها ولأولادها، وإنْ قصّر في تلبية هذه الواجبات كانت ترفض مشاركته الفراش.

هذا التنظيم يرتكز على تقليدٍ قديم، تهتمّ بموجبه المرأة بأمور المنزل، أمّا الرجل فيهتمّ بتأمين المال. لكن هذا التنظيم، ولحُسن الحظ،  تطوّر الآن، لأنّ المرأة تستطيع اليوم تبوّء وظائف القرار كافّة في المجتمع. ومع ذلك، هي لا تزال تتحمّل دائماً معظم مسؤوليّات الأعمال المنزليّة، مكمّلةً بذلك دورها المزدوج. هذه المسؤوليّة المزدوجة قد تؤثّر على الرغبة الجنسيّة نتيجةً للتعب، لا سيّما إذا عجز الرجل عن مدّ يد المساعدة في المنزل، الأمر الذي يجعلها تُصاب بالإحباط كونها قامت بِما عليها وأكثر، بينما هو إكتفى بالحدّ الأدنى المطلوب منه، وبالتالي لم يعد لديها أيّ ذريعة لمكافأته عن طريق القبول بالعلاقة الجنسيّة.

“تشرح لنا هيلين فيشر، العالمة المتخصّصة في علم الناس والسلالة، عندما تتحدّث في كتابها “تكوين الحبّ” عن طقوسٍ من الإغراءات، أنّ “الهدية الغذائيّة مقابل الخدمات الجنسيّة هي الآليّة الأكثر إنتشاراً عالميّاً. في كلّ مكان في العالم، يُقدّم الرجال هدايا للنساء قبل ممارسة الحبّ”. وتُكمل فيشر بأنّ هذا السلوك ليس خاصّاً بالجنس البشريّ، ذاكرةً عدداً كبيراً من الحيوانات والحشرات والطيور والثدييات التي تُمارس هذا التبادل.”

جيما: أن تكوني طبيعيّة

جيما (42 عاماً) تقول لنا: “أنا متزوجة منذ 15 عاماً تقريباً، وأقول لنفسي إنّني لم أعد أحبّ زوجي. عندما أعود إلى المنزل بعد يومٍ مُتعب في العمل وأراه ممدّداً على الأريكة من دون القيام بحركةٍ لمساعدتي، يُفقدني الأمر صوابي. فأنا لستُ خادمته! ثمّ في المساء، عندما أكون مُنهكة، يتجرّأ على اتهامي بأنّني لا أقوم بجهودٍ كي أكفيه. فأنا لم أعد جذّابة أو لطيفة أو حتّى طبيعية… إنْ اعترضت وطلبت منه المساعدة، يتنازل ليومٍ أو يوميْن ثم يعود إلى عاداته السيئة المعروفة، مُدّعياً أنّ همومه المهنيّة تمنعه من الاهتمام بالأعمال المنزليّة. بالنسبة إليّ، لا رغبة عندي في أن أكون “جذّابة”، خاصّةً أنّ لا طاقة عندي كي أكون كذلك”.

بعض الأشخاص كـ جيما، يظنّ أنّه من الضروريّ القيام بعلاقاتٍ جنسيّة مُنتظمة كي يكون “طبيعيّاً”. هذا التساؤل عن “طبيعيّة” العلاقة، قد يذهب إلى حدّ تغذية الشكوك، وحتّى إعادة النظر بالعلاقة كليّاً. في هذه الشهادة، إنّ العلاقة الزوجيّة غير متوازنة، فـ جيما لا يمكنها القيام بكلّ الأدوار، ويظهر ذلك جليّاً في تعبها الدائم والإنطواء على نفسها، والشعور بأنّها “غير طبيعيّة” يزيد من يأسها.

المرأة التي تشكو من غياب الرغبة واللّذة، تشعر أنّها غير مرتاحة وتتحمّل الكثير من المسؤوليّة. مع ذلك، لا يمكنها الامتناع عن التفكير بأنّ شريكها قد استغرق في سلبيّتها أو ينتظر منها تصرّفات لا يسعها القيام بها.

ضغوطات القواعد

بعض التصرّفات تفرض نفسها تحت شعار “الطبيعيّة”. عندما تفرض الموضة أن تكوني “جذّابة”، مُحمّلةً المرأة المسؤولية الشهوانيّة للثنائي، تُصبح تلك التي تُعاند “غير طبيعيّة”. إنّ الشعور بالعجز أو عدم القدرة يستولي بشكلٍ ماكر ويُعيد النظر بالمعنى الذي نعطيه للحياة الجنسيّة.

كارمن: إيجاد التوازن

وتروي لنا كارمن (31 عاماً) أنّها “أمضيت نهاية الأسبوع مع صديقي وقد عبّر لي عن حبّه وطلبني للزواج. لم تسعني الفرحة، ومارسنا الحبّ لأوّل مرّة وقد كان الأمر ساحراً. لكن بعد ذلك، تمدّد على الأريكة واستغرقَ في نومٍ عميق أمام التلفاز، فأحسستُ أنّني وحيدة. أنا لا أشكّ بمشاعره، ولكن لم تعجبني الطريقة التي جرت فيها الأمور. يُقلقني ذلك ولكنني أتردّد في مفاتحته بالأمر”.

تبدو كارمن واعيةً لتوقّعاتها العاطفيّة من خطيبها. إنّها تُغامر بتراكم الحرمان إذا لم تواجه المشكلة. فهي لا تتشارك مع خطيبها التطلّعات عينها فيما يتعلّق بالعلاقة الجنسيّة. لكلٍّ منهما أفكاره: بالنسبة إلى أحدهما الجنس والمشاعر منفصلان، في حين أنّهما بالنسبة إلى الآخر متّصلان. هذه الفوارق يجب ألا تبقى مجهولة، بل على العكس يجب أن تتوفّر الفرصة للتعبير بصدق عن توقعاتهما ولفهم الآخر بطريقةٍ أعمق.

عدم المزج بين الهدف والنتائج

إنّ اكتشاف معنى الفعل الجنسيّ لا يبدو أمراً سهلاً كما نتصوّر. في الواقع، إنّ عوامل عدّة تؤثّر على رأينا بشأن هذا الموضوع، والخطأ الذي لا يُغتفر هو أن نخلط بين الهدف والنتائج. إذا فكّرنا مثلاً، كما فعلت لميا، بأنّ العلاقة الجنسيّة تخدم الإنجاب، فمن شأن ذلك أن يؤدّي إلى الدمج بين الهدف والنتائج. الإنجاب هو نتيجة العمل الجنسيّ، وانطلاقاً من ذلك لا يكون الجنس سوى وسيلة للوصول إليه. وإنْ فكّرنا كـ هلا، بأنّ العلاقة الجنسيّة تهدف إلى تخفيف الغرائز، هناك أيضاً تشويش في المعنى. فبعد إنتهاء العلاقة تهدأ التوترات. هنا أيضاً نتحدّث عن الوسيلة، فالإنشراح الذي يتبع الوصول إلى النشوة هو نتيجة العلاقة الجنسيّة.

كلّ هذه الأجوبة تدخل ضمن هذا الإطار، ويظهر جليّاً أنّه إذا بقينا محصورين في هذه التصوّرات، يعني أنّنا وضعنا جانباً الأساس المطلوب.

إنّ العلاقة الناجحة لا يُمكن أن تُبنى على عدم التوازن، بل يجب أن يكون كلّ شريك “رابحاً” مّما يفترض التشارك في القيّم والتصوّرات. الحياة الجنسيّة المنفتحة فعليّاً والكافية للشريكيْن لا يُمكنها أن تُبنى إمّا على روابط القوّة أو الإكراه. فكلّ صفات التجربة التي نحياها تتعلّق عمليّاً بالانتباه المميّز الذي نقدّمه للشريك، فهو الذي يُشعرنا بالوجود بشكلٍ أعمق، ممّا يُثير الانفعال والشهوة. غالباً ما تتطلّب الحياة المشتركة إجراء تغييرات في السلوك للتكيّف مع الآخر والوصول معاً إلى التناغم.

د. ساندرين عطالله