خفايا الإغواء وفنّ إتقانه

يبدو الإغواء، عند بعض المحظوظين، مُمارسةً طفوليّةً سهلة. بينما يبقى عند البعض الآخر، مظهراً محفوفاً بمخاطر التصنّع، وغالباً يُفسّر رفضه بطريقةٍ خاطئة. مع ذلك، لا بدّ منه بخفر. تحريك الرأس بدلال، وخصلة شعرٍ متطايرة، ونظرة أخّاذة، ولمسة رقيقة، كلّها خطوات مُبطّنة تُهيّئ رقصة الإغواء الخالبة للألباب… د. ساندرين عطاالله  تكشف لقارئاتها وقرّائها خفايا الإغواء الذي أبدعت في وصفه قصائد الشعراء وبحوث العلماء، وبشكلٍ أكيد ما يترجّاه قارئاتنا وقراؤنا.

“يُصنّف الإغواء في باب الطقوس، والرغبة والجنس في باب النفوس”      جان بودريار

لا شكّ في أنّ هذه المُمارسة الطقسيّة منتشرة في عالم النبات، والحيوان، والإنسان أيضاً. فالكلمة مُشتقّة من اللاتينية “Seducere” ومعناها: “الجذب على حدّة للحصول على المِتع”. وبذلك هو فنّ من الفنون، هدفه جذب انتباه شخصٍ ما للإفادة منه بطريقةٍ استمتاعيّة.

طرق الإغراء تبدو عالميّة، وتكون الأنثى موضوعه والذكر هدفه. الضحيّة ليست أبداً من تدّعي كونها كذلك. في الواقع، إنّ النساء هنّ من يقدنَ هذه الرقصة. هل تشكّون في ذلك؟ اختبروا إذاً سحركم على امرأةٍ تدّعي رفض مُمارسته، وسوف ترون مَن يمتلك السّلطة في ذلك. على العكس، إنْ كنت رجلاً تُتقن ترسانة الإغراء وممارستها، فمن المُمكن أن تُجابه بالرفض. تجنّب إذاً الإصرار على ذلك بغلاظة.

لفت الانتباه أوّلاً…

“بعض الكائنات ينتشر بوجودها بينكم إغراء قويّ، إنْ ساعدته الظروف، يتحوّل إلى إغراءٍ لا يقاوم”   ساشا غيتري

يقول هادي (38 عاماً): “ليس هنالك أمر أسهل من إغراء امرأة. يكفي أن تعرف كيف تأسر انتباهها بإبراز قيمتها. من المؤكّد أنّ هناك بعض الاحتياطات التي يجب اتّخاذها: لا تصرّ على المرأة إن لم تكن تنظر إليك. على النقيض، إنْ لمستك بخفّة، عن غير قصد، أصبحتْ إذاً في الجيب. حينها اقتحم“.

للأسف لا يوجد أيّ تقنية للإغراء لا تُخطىء، والفشل لا بدّ من توقّعه. على صعيدٍ آخر، فإنْ كانت هناك وصفة موجودة لا تُقهر، لا شكّ في أنّ سعرها مُرتفع جدّاً. إلاّ أنّه باستطاعتنا كما فعل هادي، جسّ النبض، وتمهيد الطريق، حتّى لا نُسخَّف أنفسنا بشكلٍ مُخزٍ. فبفضل الدراسات المتنوّعة التي تمحورت حول عمليّة الإغراء، حدّد الباحثون بعض الممهّدات الضروريّة لبداية التواصل. بعض المواقف والسلوكيّات وُضعت كجداول، وصُنّفت على أنّها مُحفّزة للفت الانتباه. لذلك، أمام سيدتيْن جذابتيْن، لا بدّ للرجل من التركيز على واحدةٍ دون الأخرى، لأنّ الأولى أوحت إليه بطريقةٍ غير مباشرة، أنّها تهتمّ به هي أيضاً. في الوقت عينه، إرسال الرجل بعض الإشارات تجعل جاذبيّته تكبر باطّراد.

إذاً لفتُ الانتباه هو المرحلة الأولى في عمليّة الإغراء. النساء ينشرن سحرهنّ الأنثويّ الجسديّ، والرجال مظاهر الثراء. هم يستعرضون، والنساء يُثِرن. هم يتبخترون بالرجولة، والنساء يُفتشّنَ عن الأمان.

المرأة تُدير لعبة الإغراء

“وجه الإنسان هو قبل أيّ شيء آخر، وسيلة تُستعمل للإغراء”     غاستون باشلار

بصراحة، لا أقترب أبداً من امرأةٍ لا تنظر إليّ، أو لا تبتسم لي” يقول فراس (28 عاماً) مُتسائلاً: “لماذا نعقّد الأمور حين يُمكننا التصرّف ببساطة؟ بنظرةٍ واحدةٍ تُعبّر النساء عن انجذابهنّ أو عدم اهتمامهنّ. لا أحتاج إلى أكثر من هاتيْن الحركتيْن كي أفهم”.

لكن علينا أن نُدرك أنّ المرأة هي التي تُدير لعبة الإغراء. فبواسطة حركاتها، تؤشّر للرجل أنّها مستعدّة لتقبّل مُمهّداته. إشارة الاستلطاف هذه ترتكز على خمسة مكوّناتٍ أساسيّة: البسمة، والنظرة، ووضعيّة الرأس، وحركات الرأس والمُحادثة. بعض الدراسات عن النساء الجالسات في المقاهي، أثبتت أنّ بعضهنّ تعرّضنَ لمحاولاتِ تقرّبٍ من الرجال، والبعض الآخر لم يحالفهنّ الحظ. نتائج هذه الدراسة بيّنت خصائص اللواتي تعرّضنَ للتقرّب من الرجال وكانت مفاجئة:

·      نسبة 70% من اللّواتي ابتسمن

·      نسبة 50% كانت صدورهنّ مُنحنية

·      نسبة 60% كانت رؤوسهنّ مائلة

·      نسبة 60% كشفنَ عن أعناقهنّ وشعرهن مرفوع

·      نسبة 90% شعرهنّ طويل وحرّكن خصلاته بحركةٍ خفيفةٍ من الرأس

يُمكننا الإفتراض إذاً إنْ كانت نسبة الـ 70% من النساء جَذَبن الرجال بابتسامتهنّ، أنّه من الممكن إثارة الإعجاب أيضاً من دون الابتسام! هكذا، يبدو أن التميّز في المظهر، والنعومة في الحركات والغمز، كافية لجذب الانتباه. بالإضافة إلى ذلك، تُثبت هذه الدراسة أنّه من الضروريّ ألاّ تحصر النساء أنفسهنّ بتجربةٍ واحدةٍ: فالرجال بطيئون في التقاط الإشارات، والأفضل تخطّي عتبة المعايير المحدّدة للرسائل البدنيّة كي تعلق السّمكة في الصنّارة.

أصحاب الحركات الأوضح

“واحدٌ من آخر الامتيازات عند الرجال أنّنا لسنا بالضرورة بحاجةٍ إلى الجمال كي نُغري المرأة”   جورج وولنسكي

لم يُخلق بعد الرجل الذي يستطيع إغوائي، كذلك الرجل الذي باستطاعته مقاومتي!” تقول ميرا (35 عاماً) بكلّ ثقة: “المعروف عنّي أنّني قاضمة الرجال. أطرح شباكي، ويعلق فيها. ما هو سلاحي الخفيّ؟ ليست تضاريسي الشهوانيّة، ولا ساقايّ الممشوقتان، فقط ابتسامتي المُغرية“.

من ناحية الرجال، أثبتت الدراسات أنّه بحوزة الرجل أيضاً أسلحة متنوّعة للإغواء. كلمة السرّ التي يملكها بكلّ بساطة: جذب الانتباه. فمراقبة الرجال الجالسين في “البارات”، بيّنت أنّ من يتقرّبون من النساء بنجاح هم أصحاب الحركات الأوضح والذين يشغلون الفضاء الأوسع. والمفارقة أنّ الرابحين المحظوظين ليسوا فقط من يُكثرون من نظراتهم إلى محيطهم، ويغيّرون دائماً مقاعدهم، بل أيضاً هم الذين يُلامسون معظم الأحيان خدودهم وذقونهم، صدورهم وأكتافهم. وهو سلوك غالباً ما يميّز الذكور في عالم الحيوان.

النظرة… شرارة مُسبقة

الإغواء ليس الامحاء. إنّه الإحياء في نظرة الأحباء”   باتريك بوافر دارفور

تقول ثريا (27 عاماً): “الرجال الذين يُسحرونني بشكل عام هم الّذين يمتلكون حضوراً لا يُقاوم. لا أدري كيف أفسّره، لكنّهم خبراء في تحديقهم إلى النساء. حركاتهم وكلماتهم تُطمئنني. انطباعي أنّهم ملوك اللّعبة.”

بطريقةٍ لا شعوريّة، ترتاح النساء لسحر الرجال المُسيطرين. بكلامٍ آخر، لسحر أولئك الذين يتمتّعون بأنسب المعايير القادرة، في النتيجة، على تأمين حاجات الأسرة بالشكل الأفضل. لذلك بعض المواقف تعكس حالة اجتماعيّة مُرفهّة (أحياناً هذه التصرّفات قد تكون خادعة، ويجب التنبّه إليها). ولكن أبعد من مدى الحركات، يبرز النظر كمرحلةٍ ثانية من عمليّة الإغواء، وهو أيضاً ميزة مهمة من العوامل المُسيطرة. فالنساء لا يعطين أهميّةً لتقرّب الرجال منهنّ إن لم تكن هناك شرارة مُسبقة لرمقةِ عينٍ تسمح لهنّ بتقييم مَن سيتحدّثن إليه. فإنْ تشابكت النظرات وكانت ردّة فعل المرأة إيجابية لهذا التبادل (بسمة، إدارة الرأس) معنى ذلك أنّها راضية ضمنيّاً باستمرار عمليّة الإغواء. على العكس من ذلك، إنْ مالت ببصرها، عَبَثاً الإلحاح، فاللّعبة قد انتهت مُسبقاً.

تلامس بريء

تلامس السواعد يُشعل المُتباعد”  (مثل ياباني)

“تُحيط بالنساء “هالة” أو “فقّاعة” تحميهنّ. كلّ حركة فظّة أو سابقة لأوانها تقود إلى الفشل المحتّم”، يقول مارك (41 عاماً) مُتابعاً: “علينا ألاّ نُنفّر محظيتنا. يجب الانتظار بفارغ الصبر قيامها بالحركة المناسبة وأن تقوم بالخطوة الأولى من تلقاء نفسها.عندما تُضيء لك الإشارة الخضراء، عليك الانطلاق“.

وُفق دراساتٍ عدّة لعلم الإناسة (الأنتروبولوجيا)، فإن المرأة هي التي تسمح بالتلامس البدنيّ الأوّل مع مُحدّثها بالدلالة على تفتّحها الرقيق. هذا التلامس يتمّ بالصدفة وبشكلٍ بريء، لكنّه غالباً ما يكون مهيّئاً على مستوى لا وعيها. هذه المرحلة الثالثة هي بالضبط إشارة تُشجّع ما يليها. هدفها: تأنيس الشركاء المحتملون. دور الرجل الاستجابة لهذا الاستدعاء، وبدوره يُلامس ذراع محظيته المستقبليّة.

في دراسةٍ أُجريت في أحد النوادي اللّيليّة، كُلّف أحد الشبّان بمهمّة الطلب من فتيات لا يعرفهنّ، الرقص معه من خلال ملامسة أذرعهنّ بخفّةٍ (لمسة خفيفة لم تدم أكثر من ثانية) أو عدم اللّجوء إلى الملامسة. النتيجة أنّ 65% من الفتيات اللّواتي لمسهنّ قبلنَ الرقص معه، بينما 43،2% من اللّواتي لم يلمسهنّ رفضنَ ذلك. فالتلامس الحسّيّ يُميّز الرجال المُسيطرين. لكن يجب التنبّه ألاّ تُعرّض محدّثتك للظنّ بأنّك من الّذين يُوسمون خطأً بأنّهم متحرّشون جنسيّاً.

التقليد يسمح بالتناغم الحميم 

“التقليد هو الأصدق في الإطراءات”  شارل كالب كولتون

تقول هنادي (33 عاماً): “عندما أريد إثارة الإعجاب، مهما كانت المناسبة: لقاء مهنيّ أو موعد غرامي، أُناغم حركاتي بحسب أهواء الشريك. فإنْ شبك ساقيه، شبكتهما. وإنْ حرّك رأسه حرّكته بدوري. حتّى أنّني أحاول مناغمة تنفّسي مع تنفّسه. هكذا، يمرّ تيار الرغبة بشكلٍ مستديم، حتى لو كنّا غير مُتّفقين“.

في دراسةٍ أُجريت أثناء إحدى سهرات “التواعد – الغراميّ” طُلب فيها من الشابّات المُشاركات تمثيل حركات وكلمات الرجال الذين يقابلونهن بالإيماء. التعليمات المُعطاة لهنّ أن يُعدن إنتاج سلوكيّات محدّثهنّ ومواقفه بفاصلٍ زمنيّ محدّد. في نهاية السّهرة، طُلب من المُشاركين الشباب تعيين الشابات اللّواتي أغوتهنّ أكثر من غيرهنّ. هؤلاء انتقوا من دون تردّد المُشاركات اللّواتي نجحنَ في تقليدهم. الإيماء والتقليد هما المرحلة الرابعة من عمليّة الإغواء، حيث تخلق مشاركة وارتباطاً لاواعياً يؤثّر على العلاقة بين شخصيْن ليس فقط شعوريّاً، بل أيضاً مهنيّاً. التصرّف، كما لو أنّنا أمام مرآة، يسمح بتناغمٍ حميم، ويعطي الانطباع بوجود لحظاتٍ ساحرة وفريدة.

بدء الكلام بكلّ بساطة

اقترب من هذه السيّدة واسألها إنْ كان وميض عينيْها معروضاً للبيع”   أندره بريتون

جيهان (37 عاماً) تعترف قائلةً: “غالباً ما تكون المظاهر خادعة. على النقيض، تبادل التفاهات من المرّة الأولى، يجعل من الصعب الخطأ في تشخيص ما سيتبع من محادثةٍ مع الرجل. تسقط الأقنعة أحياناً من بداية الكلام. ما من أمرٍ مُضجر أكثر من رجلٍ لا يعرف كيف يرويك بحديثه“.

التواصل الكلاميّ كمرحلةٍ نهائيّة في عمليّة الإغراء، يبدو من بعيد أصعب الاختبارات. أيّ خطأ غير مسموح، كونه يرفع مباشرةً حاجزاً مرصوصاً في الأجواء. المطلوب إذاً بدء الكلام بكلّ بساطة. في مقاربتنا لحبيب القلب وفق أمنيتنا: أحبّ كثيراً أن أتعرّف عليك (كِ) “يُعطيك 82% من الظروف المساعدة أن يقبل / أو تقبلي العرض المطروح”. ليكن في قناعتكِ، وهذا يناقض كثيراً ما نعتقده، أنّ محتوى الحديث لا يُعتمد عليه كثيراً، شرط أن يكون مهمّاً نوعيّاً لمُحدّثك رجلاً أو امرأة. المهمّ في كلّ هذا هو نبرة الصوت لأنّها تكشف الآخر مباشرةً. إنّها تُظهر ليس فقط نواياك، ولكن أيضاً الخلفيّة التي تحملينها، ووضعك الاجتماعيّ وحالتك الفكريّة. التواصل الكلاميّ هو “النقطة المحوريّة”، إمّا أن يتطوّر اللّقاء لمستقبلٍ واعدٍ مُمكن، وإمّا أنْ تنقطع الصلة كليّاً.

ثابر/ي على الإغراء

إذا أراد الرجل إغواء امرأة، عليه أن يقطع الجبال، وإذا أرادت فتاة إغواء رجل ليس أمامها سوى رقاقة ورق لتخطّيها“. (مثل صيني)

أعتبر نفسي محظوظة بشدّة لأنّني استطعت إخراج الجوهرة النادرة من مخبأها. خمس عشرة  سنة مرّت على لقائنا الأوّل، ولا يزال زوجي يجد الطريقة التي تُبهرني وتُغريني. إلى جانبه لا أسأم أبداً” هبة (41 عاماً).

في الحياة الزوجيّة، من الأساسيّ التذكّر أنّ الإغراء لا يتوقّف أبداً عند المرّة الأولى. بل على العكس، حتّى نؤمّن استمراريّة العلاقة، الإغواء هو الحليف الأنسب. لذلك، حاولي دائماً إغواء شريكك كما فعلتِ في المرّة الأولى حتّى لا تدعي السأم أو الروتين يتحكّم بيوميّاتك.

د. ساندرين عطاالله