هل أختن طفلي أو لا؟

نتناول موضوع القلفة، ذلك الغطاء الجلديّ الصغير الجدليّ، من جميع جوانبه أو ربّما معظمها. فالأساطير سارية على قدم وساق، ولا يسهل دوماً التمييز بين الخطأ والصواب. كذلك يصعب بخاصّة الشكّ في مصداقيّة ممارسةٍ هي في الأصل ممارسة دينيّة، انتشرت من ثمّ بدعوى الحفاظ على الصحّة والنظافة، ولكنّها دعوى غير مثبتة علميّاً.

جيسي (32 عاماً)، وهي أمّ شابّة مُرتبكة أخبرتنا أنّها لطالما ظنّتْ أنّ الختان والنظافة الصحيّة تربطهما صلة وثيقة. وتُضيف قائلةً: “لقد خرجت مع العديد من الشبّان قبل أن أتزوّج، وخلال المغازلات، كنتُ ألاحظ غالباً أنّ الذين لم يُختَنوا تنبعث منهم رائحة طفيفة تولّد أحياناً شعوراً بالانزعاج. وهو مفهوم أكّده الطبّ حينها. الآن، يزعم أطبّاء الأطفال أنّ الختان هو تشويه. لا أفهم هذا التقلّب في المواقف. مع أنّني قرأتُ الكثير من المقالات العلميّة التي تشرح أنّ الختّان هو بمثابة وقاية من الإصابة بفيروس نقص المناعة المُكتسبة والقذف السّريع. أمّا زوجي، من جهته، فيرفض ختن ابننا. وهو يبرّر قراره هذا بالقول إنّ ذلك يُضعف قوّة المتعة الذكوريّة. فهل هو محقّ؟ وهل عليّ أن أقبل أو على العكس أصرّ؟”.

مسألة النظافة الصحيّة… مغلوطة

عزيزتي جيسي، إنّ الحجّة التي كان يتمّ التذرّع بها للقول إنّ القضيب المختون هو أكثر نظافةً أصبحت عارية عن الصحّة. وحتّى إن كان صحيحاً أنّ المادّة المفرزة البيضاء يُمكن أن ترقد بين جلد القلفة وحشفة القضيب وتصدر روائح كريهة، فإنّ الأصحّ أنّ الحفاظ على النظافة الصحيّة لا يتطلّب سوى بضع ثوانٍ كلّ يوم. تُعزى المشكلة الأساسيّة إذاً إلى كون العديد من الرجال لا يُجيدون الاغتسال كما يجب. يكفي سحب غلفة الخشفة إلى الخلف تحت الدشّ وخلال التبوّل لتفادي أيّ ترسّبات قد تُسبّب التهابات على المدى البعيد.

استراتيجيّة وقائيّة

صحيح أنّ الختّان يُمكنه أن يُقلّص من احتمال انتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة لدى الشعوب الأكثر عُرضة للخطر، إنّما فقط خلال الجُماع المهبليّ وفقط بالنسبة إلى الشريك الذكر. كذلك إنّ الختّان لا يلغي خطر الإصابة بالفيروس. وبالتالي، فإنّ أيّ رجل، سواء كان مختوناً أم لا، لا يُمكن أن يقي نفسه إلاّ باستخدام الواقي الذكريّ. فالختّان الطبّي هو استراتيجيّة وقائيّة في المكافحة ضدّ وباء السيدا فقط في المناطق التي تشهد انتشاراً معمّماً للفيروس. في باقي أنحاء العالم، ليس للختّان الوقائيّ أيّ فعاليّة مُثبّتة.

المتعة دوماً في لبّ الموضوع

أمّا بالنسبة إلى النظريّة القائلة إنّ الختان ما هو إلاّ تشويه يَحرم الرجل من أكثر المناطق المثيرة للشهوة الجنسيّة لديه، فهي لم تحظَ بعد بإجماعٍ في الوسط العلميّ. فالقلفة تسمح بتزييتٍ أفضل للحشفة، وانزلاقها على الحشفة يُحدث تربيتاً غير مباشر ومُمتعاً لا يتطلّب أيّ مادّة تزييت خارجيّة. إلاّ أنّ تقييم الفرق بين المتعة لدى رجل “مكتمل” ورجل “مختون” في صغره يبدو حاليّاً مستحيلاً بما أنّ كليهما لم يختبرا الشعور المعاكس. تماماً كما أنّ تقييم مقدار المُتعة عموماً يبقى أمراً جدّ ذاتيّ.

إجراءٌ لا جدوى منه في علم الجنس

أخيراً، صحيحٌ أنّ الختان شكّل طوال أعوام عدّة وصفةً مضادّة للقذف السّريع، ولكن لسوء الحظّ من دون أيّ نتائج ملموسة. فهناك دافقون سريعون من بين المختونين وغير المختونين على حدّ سواء. والمؤشّر الوحيد المبرّر هو الحالة التي يطرأ فيها لجام قصير يزعج الرجل خلال عمليّة الإيلاج. عندها، من المحتمل أن يدوم الجماع فترةً أطول بعد الختّان الطبيّ. فلتمضِ إذاً في غياهب النسيان أسطورة الرجل المختون الذي يبقى منتصباً ساعات ويوفّر للشريكة رعشة جماع هائلة. فهو بدوره قد يعاني من مشاكل جنسيّة كالقذف السريع. وبالتالي إنّ الختان ليس لديه تأثير كبير على الأداء الجنسيّ ولا على المُتعة.

النظافة الصحيّة في الأماكن الحميمة لدى الصغار

بالنسبة إلى صبيّ يبلغ عمره أقلّ من 4 أعوام، تُعتبر عمليّة سحب قلفة الخشفة إلى الخلف صعبة بطبيعة الحال. حذار من الإفراط في هذه الحركة عند هذه السنّ، لأنّ ذلك قد يتسبّب بجروحٍ طفيفة. بعد عمر الأربع سنوات، يجب الشرح لكلّ صبيّ صغير حول كيفيّة سحب قلفة الخشفة لدى الاغتسال لتنظيف ما تحتها.

رمزيّة الختان

في الأوساط المناصرة للختّان، تُعدّ هذه الممارسة التعبير الأسمى عن الرجوليّة. وبذلك، فإنّ القلفة تشبه الغطاء وإذاً المهبل. وبالتالي، يُمكّن الختّان من الفصل بين المؤنّث والمذكّر وتعزيز رغبة الرجل في المرأة. أيضاً، تُشكّل هذه الممارسة بالنسبة إلى بعضهم مرحلة عبور من تبعية الأمّ إلى سلطة الأب، وهي بطريقة أو بأخرى  نوع من التثمين للنشاط الجنسيّ الذكريّ.

الختّان على مرّ التاريخ

  • تمّت ممارسة الختان الشعائريّ لأسبابٍ ثقافيّة ودينيّة منذ القدم، وهي ممارسة تعود إلى العصور القديمة في مصر منذ الألفيّة الثالثة.
  • في نهاية القرن التاسع عشر، في كلّ من إنكلترا والولايات المتحدة الأميركيّة، تمّ الترويج لممارسات الختّان، عن خطأ كوسيلةٍ للحدّ من الاستمناء. حتّى أنّ بعض أطبّاء هذه الحقبة كانوا يذهبون إلى حدّ الدعوة إلى الختّان بدون استخدام البنج انطلاقاً من فكرة أنّ الألم له مفعول مُفيد وصحيّ للعقل وأنّ القضيب عندئذٍ يرتبط بمفهوم العقاب. بيد أنّ ممارسات الختان لا تنفكّ تتراجع منذ نهاية القرن العشرين في عالم الغرب، في حين أنّها مستمرّة ضمن المجتمعات الدينيّة.
  • في أوروبا، سجّلت العديد من المجتمعات العلميّة الخاصّة بطبّ الأطفال اعتراضاً على الختّان غير العلاجيّ للأطفال، مشدّدة على غياب المنافع الطبيّة لهذه الممارسة، ووجود مخاطر نشوب تعقيدات ومشاكل ذات صلة بالأخلاقيّات وبالحقّ في السّلامة الجسديّة.
  • في العام 2012، نشرت الأكاديميّة الأميركية لطبّ الأطفال تقريراً جديداً يُشير إلى أنّ فوائد الختّان تطغى على مخاطره، ولكنّه لا يوصي بالختان كممارسة روتينيّة بل يترك الكلمة الأخيرة للأهل في هذا الصدد.