مارسا فنّ الإثارة من أجل حياةٍ جنسيّة أكثر لهيباً
إذا كان الخيال الجامح هو قدرة الفرد على الانغماس في مشاعره والتفاعل مع عالمه بواسطة الحواس، فهو أيضاً فنّ ومهارة تحريك حواس الآخرين ومشاعرهم. وفي مصطلحات الحياة الجنسيّة تصبح الإيروسيّة (فن ّالإثارة) من المقوّمات الأساسيّة لحياةٍ جنسيّةٍ غنيّةٍ وممتعةٍ، فتشكّل الرابط بين الحواس والذاكرة والخيال. إذاً، كيف يُمكننا خلال فصل الصيف تطوير هذه الحاسّة الجديدة والاستفادة منها بأكبر قدر ممكن في تحسين حياتنا الجنسيّة؟
البحث عن “مادلين بروست”
يقول راشد (40 عاماً :(“بعد ظهر أحد الأيّام، كنتُ في مركز تجاريّ ولمحت بطرف عيني امرأة في الثلاثينيّات من عمرها تتّجه نحوي. لم تكن من نوع النساء الذي أهواه فلم أبدِ أيّ اهتمام بها إلى أن لمستني ولفحني عطرها الأخّاذ. فعادت بي الذاكرة إلى أيّام الصبا عندما تعرّفتُ إلى صديقتي الأولى: سمراء طويلة القامة وعينان خضراوان… كنت أحبّها بجنون. ذكرى وجهها، وإيماءاتها، وضحكتها، وملمس بشرتها وعطرها – هو نفسه عطر المرأة المجهولة التي مرّت أمامي ولمستني- ذكرى هزّتني في الصميم. أنا لم أرَها منذ أيّام الدراسة في المرحلة الثانويّة، لكنّ هذا اللّقاء غير المتوقّع أعادني إلى تلك اللّحظة كما لو أنّها حدثت للتوّ. ثمّ التفت، فرأيت المرأة تتّجه بعيداً. فتردّدت للحظة من اللّحاق بها وتذكّرت كيف كنت أقترب من صديقتي وأُبعد شعرها عن وجهها لأطبع قبلةً على عُنقها وأتنشّق عطرها الذي ظننت أنّني نسيته مع مرور الأيّام. لكنّني اكتشفت أنّ حواسنا تتمتّع بذاكرة أفضل من ذاكرتنا حتّى بعد مضي 25 عاماً. وعندئذ فكّرت في زوجتي، وتساءلت متى كانت آخر مرّة قبّلت عُنُقها، لماذا أصبحت بعيداً عنها إلى هذا الحدّ؟ فهرعت نحوها لأعوّض عمّا فاتنا معاً”.
مع مرور الوقت، ينتهي المطاف بأنْ يُركّز الزوجان على بعض المحفّزات الجنسيّة وإهمال أخرى، ممّا يحدّ من متعتهم في فضاء الحياة الجنسيّة الواسع. ويعود ذلك في كثيرٍ من الأحيان إلى التعب والانهماك في مشاغل الحياة، ممّا يقلّل من حسّ المبادرة لدينا فنكون في عجلةٍ من أمرنا، وغالباً ما نقع في الرتابة والروتين. ومع ذلك، تحتفظ الذاكرة بشكلٍ مفاجئ فعلاً بجميع تجاربنا الإيجابيّة القديمة… حتّى تلك التي اختبرناها منذ زمنٍ بعيدٍ وظننا أنّنا نسيناها وفقدناها إلى الأبد. لذلك يكفي أن نتذكّر المرّة الأولى ونمسح عن ذاكرتنا غبار الأيّام لتعود مشاعرنا وعواطفنا لتفيض من جديد.
ما أهمية المحاولة؟
صحيح أنّ روتين الحياة اليوميّة يُشكّل مصدراً للاستقرار، لكنّه أيضاً يُقيّد حياة الزوجين العاطفيّة فتصبح محدودة ضمن بعض الممارسات التقليديّة النمطيّة، فتبرد المشاعر ويتضاءل وهج الحبّ ويخفت هيام الكلام وتختفي لغة العيون وتبرد اللّمسات الملتهبة، فلا يعود بين الشريكيْن أيّ إغراء ولا إطراء، وتبقى فقط سلسلة من الرتابة البغيضة… لكنْ يجب أن ندرك ونتذكّر دائماً أنّ الشعلة التي كانت تبعث الدفء والشوق لا تزال مشتعلة تحت رماد السنين ويُمكن إحياؤها من جديد!
في التطبيق:
– أغمضي عينيْك وارجعي إلى زمن الحبّ الجميل، أو إلى أوّل مرّة أحسستِ فيها بالعشق يجتاح جسمك وينبض في قلبك مع الشريك.
– ركّزي وتذكّري كيف بدت لك ملامح وجهه، وعطره وملمس بشرته. تذكّري طعم شفتيْه وعذوبة صوته عندما يهمس في أذنيْك ودفء أنفاسه على رقبتك. ثمّ فكّري بالأحاسيس التي خالجتك في تلك اللّحظات… كتسارع دقّات قلبك وخطف أنفاسك وقشعريرة جسمك وإثارة حواسك. أخيراً، ابحثي عن المشاعر التي غرقتِ في موجها حينئذ… وأحسّي بها تغمرك من جديد.
– إذا تمكّنتِ من خلال هذا التمرين استحضار تلك الأوقات الجميلة، ندعوك إلى التفكير مليّاً في الأمور التي بقيت في ذاكرتك والأخرى التي اشتقت إليها وتريدين إحياءها من جديد. والآن حان دورك.
إعداد سيناريو مناسب
سارة (42 سنة) تُطلعنا على تجربتها الشخصيّة: “بعد سبع سنوات من الزواج، لم تعد لنا أنا وزوجي الرغبة في ممارسة الحبّ. وللتغلب على نقص حسّ المبادرة لدينا، قرّرنا أن نقوم بممارسة الحبّ كفعل واجب بيننا أسبوعيّا حتّى أمسى كلّ يوم أحد في تمام الساعة 11 مساءً بمثابة… كارثة حقيقيّة للأسف. كلّما حاولنا إلتقاط رغبتنا الجنسيّة تسارع للهرب منّا… ثمّ ابتكرنا طرقاً جديدة استوحيناها من كتاب قرأناه، يُجبر كلّ واحد منّا على إيجاد لعبة جنسيّة شيّقة نقوم بها مداورةً في كلّ لقاءٍ حميم يجمعنا. فأصبحنا نقوم بتدليك بعضنا ونخرج في عطلة نهاية الأسبوع ونحضّر عشاء رومانسيّاً لطيفاً، ممّا ساعدنا في العثور على الرغبة من جديد والانغماس في أحضان بعضنا والاستسلام للحبّ. ومنذ ذلك الحين، أصبحنا نمارس الحبّ بشكلٍ أفضل ومرّاتٍ أكثر. لا أستطيع الانتظار لأكتشف المفاجأة التالية التي يحضّرها لي زوجي!”
إنّ الإسراع لملاقاة الآخر استجابةً لغرائزنا، قد يكون ممتعاً من وقتٍ إلى آخر لكنّه يكون أيضاً غير مستحبّ في كثيرٍ من الأوقات. لذلك، إنّ التحضير لمشهدٍ مثير بين الشريكيْن قد يحقّق نتائج مذهلة وعلاقة عاطفيّة قويّة بينهما بخاصّةٍ إذا لعب الاثنان دورهما على أكمل وجه.
ما أهمية المحاولة؟
تتطلّب ممارسة الجنس اهتماماً خاصّاً واحتراماً للحظات الحميمة. لذلك، إنّ التفكير المُسبق بالحركة الجسدية والصور الذهنية إنّما يُساهم في زيادة الوعي ويوقظ مشاعر مفاجئة وفرحة. ويجب عندئذ أن نستسلم للحظة، والآخر والأحاسيس الجامحة. فكلّ ما هو غير متوقّع يزيد من الإثارة. وإدخال عنصر المفاجأة أثناء العمليّة الجنسيّة يُضاعف جرعة الحبّ بين الشريكيْن ويزيد من الشبق والتشويق بينهما.
في التطبيق:
– صفّفي شعرك وارتدي أجمل ملابسك وتعطّري وحضري جسمك للملامسة والمداعبة من خلال وضع الزيوت والكريمات الملطّفة، وتخيّلي يديّ الشريك تدلّك بشرتك.
– حضّري أجواء تُساعد على إضفاء الإثارة والجموح والتشويق كالعطور والشموع والأضواء الخافتة.
– استلقيا سوياً عاريين على السرير من دون لمس بعضكما البعض… أغمضاعينيْكما وتخيّليا أنفسكما تمارسان الحبّ مع بعضكما البعض
– أنصتا إلى أنفاسكما، وتعلّما كيفيّة ضبط إيقاعكما مع بعضطما البعض لتصلا إلى التناغم التام خلال ممارسة الحبّ.
– افتحا عينيّكما وعبّرا عن مكنوناتكما ومشاعركما، واستمتعا باللّحظة سوياً…
إطلاق العنان لمخيّلتكم
تقول كارمن (54 عاماً): “لفترةٍ طويلةٍ كنتُ مقتنعةً بأنّ مخيّلتي صحراء قاحلة لا أفكار مثيرة فيها ولا هواجس تشغلني. كنتُ أستمع إلى صديقاتي يروينَ حكاياتهنّ وقصصهنّ الخياليّة ونزواتهنّ التي لم تكن تحرّك فيّ شيئاً على الإطلاق. ثمّ راودني حلم غريب في ليلةٍ أذكرها تماماً: كنتُ أرتدي ثوباً أحمر، وراح يطاردني قطيع من الثيران الثائرة ومروضوها حاملي السيوف والمتعطّشين للعُنُف والدم. استيقظت مذعورة وفي حالةٍ من الإثارة الجنسيّة لم أشهدها من قبل. فأيقظت زوجي المستسلم للنوم إلى جانبي واستسلمنا معاً للحبّ في ليلةٍ من العمر”.
نحن كائنات تعيش على المخيلة وتقتات منها. هذه السيناريوهات الخياليّة الثمينة تشكّل الأفكار والهواجس التي تراودنا، وتكشف عن مكنونات قلبنا الدفينة. أكانت مقبولة أم لا، هذه المخيّلة هي المصدر الأساسيّ الذي يفكّ رموز عمليّة تنظيم عقلنا الباطن لرغباتنا.
ما أهمية المحاولة؟
الهواجس هي الثمار التي تتولّد من عمق رغباتنا. صحيح أنّ اكتشاف حقيقة هواجسنا قد يكون أمراً مفاجئاً أو حتّى مخيفاً، لكنّ الهواجس والمخيّلة لا تخضعان لقوانين أو تحتجزان نفسهما في إطار الأخلاقيّات… فهي وليدة الدوافع الغرائزيّة التي لا يُمكن التحكّم بها بسهولة. لذلك، إنّ اكتشاف حقيقة مخيّلتنا يجعلنا نتعرّف أكثر على الجانب الشبقي في شخصيّتنا. ونحن ليس بنا حاجة مطلقاً إلى الانتقال إلى عيش هواجسنا بشكلٍ ملموس ووضعها قيد التطبيق، فهي متكاملة في حلّتها الخياليّة غير المحسوسة. لكنّ في إمكاننا أن نحوّل بعض هذه الهواجس والأفكار التي تراودنا إلى أدوات رمزيّة خلاّقة ومحبّبة نستخدمها مع الشريك، فنعيش في عالمٍ من الإثارة معاً مليء بالعشق يقوّي تفاعلنا الجسديّ ويُلهب الحبّ بيننا.
في التطبيق
– حضّري قائمة عدّدي فيها خمس أفكار وهواجس تراودك، بعضها “طبيعيّ” وبعضها الآخر جامح. ثمّ اكشفي عن اثنتيْن منها لشخصٍ تختارينه… هل لديه الهواجس نفسها؟
– حاولي تطبيق اثنتيْن منها في علاقتك مع الشريك. اكتبي نصّاً مستوحى من هاجسك الخامس مثلاً، وابحثي لنفسك عن فكرتيْن جديدتيْن مستوحاتيْن من فيلمٍ شاهدته أو كتاب قرأته لإثارتك جنسيّاً.
اكتشفي الكائن الحيواني فيك
تقول سارية (38 عاماً): “في البداية، وجدتُ فكرة تحويلي إلى لبوة أمراً مثيراً للسخرية. فعندما وقفتُ أمام المرآة أتحضّر لإظهار مخالبي وإصدار صوت كالزئير انزعجتُ كثيراً إلى أن نظرت إلى نفسي في المرآة ذات يوم، بعد حمّام وجلسة استرخاء هادئة، فأحسستُ بغرائزي تتملكّني وبكائن في داخلي يكبر شيئاً فشيئاً ويودّ الانقضاض إلى الخارج… فشعرتُ بقوّة غريبة بريّة جامحة تهزّ كياني لم أتردّد في التعبير عنها أمام شريكي”.
الجسد هو الوسيلة التي تعكس رغباتنا الجنسيّة لذلك، إنّ الشعور بالرضا حِيال جسمنا وتركه يحرّكنا كما يشاء من دون الخوف من الملذّات إنّما يزيد من إثارتنا ويقرّبنا من بلوغ النشوة.
ما أهمية المحاولة؟
إنّ القوى المحرّكة للرغبات الجنسيّة هي مرآة لما عاشه الجسم من تجارب. فالتواصل مع الجانب الجامح البريّ من جسمنا يساعدنا على الاستسلام ذهنيّاً للأحاسيس والرغبات المثيرة. وعندما نتصارح مع الشريك ونكشف له هذا الجانب، سوف نتمكّن من الاسترسال معاً في علاقةٍ حميمةٍ من دون محرّمات أو إثارة امتعاضه أو استغرابه لأيٍّ من تصرّفاتنا. لا شيء أكثر إثارةً من أن نكون في البداية أداةً للمُتعة وفي الوقت نفسه مركزاً للقيادة والتحكّم خلال العلاقة الحميمة لكي نتحوّل بعد حين إلى كائنٍ ليّنٍ يذوب في أحضان الحبيب.
في التطبيق
– أنظري في المرآة، وتخيّلي نظرة شريكك إليك. فكّري في الأمور والهواجس الجنسيّة التي تراوده عنك وغوصي في مخيّلتك تماماً.
– فكّري بالحيوان الذي يرمز إلى الإثارة الجنسيّة بالنسبة إليك… اتّخذي وضعيّته وقلّديه حتّى في صوته وأطلقي العنان للجموح البريّ في داخلك.
– ارتدي ملابس مثيرة ولكن غير مبتذلة، تكرّس هذا الحيوان الجامح الذي يعيش فيك والمستعدّ للانقضاض على فريسته، ثمّ راقبي نظرات الشريك لك وتمعّنه في ثنايا جسدك واستمتعي بالقوّة والسيطرة التي تمارسينها على أفكاره… والآن أصبحت مستعدّة للانتقال إلى المرحلة التالية.
إطالة فترة المتعة
كارلا ( 33 سنة): “أنا أعشق تلك اللّحظات التي تلي النشوة والتي تجعلني أغوص مع زوجي في بحرٍ لا متناهٍ من الأحاسيس. وفي بعض الأحيان، نبقى متعانقين وهو مستسلم في داخلي وننام ملء جفنينا حتّى الصباح وعبق الحبّ يلفّنا وآثاره لا تزال مطبوعة على جسدينا. بالنسبة لي تبدو ممارسة الحبّ من دون قيمة لولا تلك النهاية السعيدة التي تنبئ ببداية أخرى ومعاودة جامحة للتلاطف والإثارة من جديد”.
إنّ اللّحظة الأكثر حساسيّة خلال عمليّة ممارسة الجنس هي لحظة النهاية. فإن تقبّل فكرة انتهاء المتعة قد يكون أمراً محبطاً ومزعجاً. فكيف السبيل لإطالة فترة المتعة؟
ما أهمية المحاولة؟
بالنسبة إلى معظمنا، تنتهي عمليّة ممارسة الجنس عند بلوغ هزّة الجُماع وبعد ذلك ننتقل إلى نشاط آخر وكأنّ شيئاً لم يكن. للأسف، هذه هي الصورة النمطيّة التي نراها على شاشة التلفاز وفي الأفلام، ولكن هذا لا ينبغي بالضرورة أن يكون مصير علاقاتنا الحميمة. لمَ لا نحاول أن نعيش ما بعد هذه اللّحظة؟ لمَ لا نطيل أوقات المتعة والمشاعر القويّة مع الشريك؟ لكي نخرج من النزعة الغرائزيّة إلى التبادل العقلانيّ والذهنيّ الذي يسمح لنا بالجمع بين التأوّه والحوار من جهة والتآلف بين الغريزة والفكر من جهةٍ أخرى وتحقيق التوازن بين حبّ ممارسة الجنس مع الشريك وتوطيد العلاقة معه.
في التطبيق
– عندما تبلغين النشوة، لا تستعجلي في بدء نشاط جديد بل استرخي وتذكّري اللّحظات الحميمة التي عشتها مع الشريك والمتعة التي أحسست بها:
– قوما بوصف ما عشتماه منذ لحظات بطريقة شاعريّة، واتركا عطر الحبّ الذي جمعكما على جسديْكما، وألّفا قصيدة أو رسماً يجسّد الحالة التي مررتما بها،
– وأبقيا على التواصل الجسديّ من خلال المداعبة، واستمعا إلى الموسيقى المفضّلة لديكما، ثمّ أغمضا عينيكما لاسترجاع الذكرى الجميلة.
– امنحي نفسك فرصةً لتختبري النشوة الإيروسيّة والجموح قبل ممارسة الحبّ وخلاله وبعده.
د. ساندرين عطاالله