ما الحاجة إلى علاقةٍ جنسيّة عندما تكون عقيمة؟
من الصعب أن تكون حياتنا الجنسيّة مُمتعة عندما يجب علينا مُمارسة الجنس بناءً على وصفةٍ طبيّة. تلقيح اصطناعيّ، تخصيب في المختبر، وما إلى ذلك… فالمساعدة الطبيّة تستند إلى العديد من التقنيّات لمُعالجة مشاكل العقم. لكنّ الطريق طويل، محفوف بالتجارب وغالباً ما يتسبّب بانهيار الحياة الزوجيّة. العلاج والإرهاق والهوس هي بالنتيجة عوامل بإمكانها أن تُسبّب أو تزيد المشاكل الجنسيّة، والأزواج الذين مرّوا بهذه التجربة يشهدون على ذلك.
إنّ الطرق الحديثة لمنع الحمل، المُثيرة للجدل في مجتمعاتنا الشرقيّة، تؤدّي إلى التفرقة بين الإنجاب واللّذة الجنسيّة، ممّا خلق وهماً حول الحمل وشعوراً بالضغط والقلق. وفي الواقع، حتى الأزواج المرتبطون حديثاً ويَجمعون على أنّ الحمل يجب أن يحصل في الأشهر الثلاثة بعد محاولاتهم الأولى للإنجاب. كما أنّ الكثير من الأزواج لا يتقبّلون المِهل التي تفرضها الطبيعة الأم على مفهومهم المثاليّ للإنجاب، فالسؤال عن العقم يُطرح بسرعة، لا بل بسرعةٍ فائقة مُسبّباً اللاستقرار في حياة الزوجيْن. والإعلان عن عقمٍ مُمكن يكون وقعه كبيراً، وهذا ما يجعل الثنائيّ يمرّ بأزمةٍ صعبة لتحديد هويته. وبعد التأكّد من عدم قدرتهما على الإنجاب، يَميل الزوجان في مرحلةٍ أولى نحو العزلة للهرب من التلميحات عن التناسل المُنتظر أو تجنّب المُعاناة التي تثيرها ولادات أخرى تحدث في محيطهما.
لكي يستمرّ الزوجان متوافقيْن، عليهما تخطّي هذه التجربة الصعبة وإيجاد تعريف جديد لحياتهما كثنائيّ، إلا أنّ العديد منهم يُحاولون الإنجاب بمساعدةٍ طبيّة، ممّا يُمكن أن يلحق المزيد من الضرر في حياة الزوجيْن.
وضع النقاط على الحروف ١-العقم هو عدم حدوث حمل بعد 18 شهراً إلى سنتيْن من حياةٍ جنسيّة مُنتظمة، وهو حال 15% من الأزواج، و3% منهم يُعتبرون بحالة عقمٍ نهائيّ. ٢-الخصوبة، أيّ حظوظ الإنجاب في كل دورةٍ شهريّة، تبلغ نحو 25% عند ثنائي يُمارس الجنس بشكلٍ مُتكرر، مع مهلةٍ وسطيّة للحمل تمتّد من ثلاثة إلى ستة أشهر. ٣-أكثر من ثنائي على عشرة يستشير طبيباً مرّة واحدة في حياته من أجل مشكلة تتعلّق بالعقم. |
هو أم هي المسؤول؟ يعود أسباب حالات العقم لدى الزوجيْن إلى: -المرأة بنسبة 30% -الرجل بنسبة 20%. -الرجل والمرأة على حدّ سواء بنسبة 40%. -لا سبب موجود لتفسير هذه الظاهرة بنسبة 10%. |
حقائق وأرقام -ينجح ثنائي بمعدّل وسطيّ في إنجاب طفل بعد فترةٍ تتراوح ما بين ستة أشهر وسنة من المعاشرة الجنسيّة. -84% من النساء يحملن طفلاً بعد سنة من علاقاتٍ جنسيّة منتظمة من دون حدوث حمل، و92% منهن بعد سنتيْن. -94% من النساء في سنّ الـ35 يحملن بعد ثلاث سنوات من علاقات جنسيّة منتظمة من دون وسائل لمنع الحمل، و77% منهن في سنّ الـ38. -احتمال الحمل خلال الدورة الشهرية هو: 25% في سنّ الـ25. 12% في سنّ الـ35. 6% في سنّ الـ40. – نسب حظوظ المرأة بأن تصبح حاملاً خلال سنة هي: 75% في سنّ الـ30. 66% في سنّ الـ35. 44% في سنّ الـ40. |
حياة جنسيّة مضطربة
تقول ساندرا (37 عاماً): “عندما نقرّر إنجاب أوّل طفل، نظنّ أنّ ذلك سيكون ساحراً وحميماً. ولكن عندما نُدرك أنّه لن يحصل، تنهار الأحلام. بعدها يدخل الطبّ إلى حياتنا وفجأة يصبح الأمر أقلّ رومانسيّة. فحين بلغتُ الثلاثين، توقفت عن تناول حبوب منع الحمل لأنّني كنت أرغب بإنجاب طفل. ولكن بعد سنة من ذلك لم يحصل شيء. شخّصّ الطبيب أنّ المشكلة من زوجي بعد إجراء اختبارات مختلفة. ممّا اضطرنا إلى دخول عالم “الإنجاب بمساعدةٍ طبيّة“، أي الـAMP عديم الشفقة: تناول العقاقير، قياس الحرارة! وعليكم سماع التوبيخ الذي كنت أوجّهه إلى زوجي إذا نسيَ تناول دوائه! أمّا على مستوى الجنس، فلم تحصل أيّ علاقة بيننا طيلة فترة سنتيْن. والأسوأ من ذلك هو التلقيح الاصطناعي حيث يستمني الزوج في الغرفة المجاورة. وما زاد الأمر تعقيداً هو معرفتي أنّ زوجي يشعر بالذنب لأنّه جعلني أعاني من كلّ ذلك. تلقيتُ خمسة تلقيحات اصطناعية، بالإضافة إلى ثلاثة من الـFIV (تخصيب في المختبر). الرغبة الجنسيّة انطفأت بيننا وجسدانا المنهكان طبيّاً أصبحا كالمخدريْن. لكن بعد فشل ثالث محاولة من الـFIV، قرّرنا إنقاذ حياتنا الزوجيّة وإيقاف كل هذه العمليّة. وقد عادت الرغبة الجنسيّة تدريجيّاً. وبعد عام أصبحت حاملاً… طبيعيّاً“.
إن كانت غالبية النساء تتساءلن عن قدرتهن على الحمل، فإنّ فكرة العقم لا تراود إلا نادراً عقول الرجال. وفي حالة عقم مُحتمل، فإنّ معظم الأفراد المعنيين تُلاحقه شياطين الذنب والقلق. فالهمّ يُغذي يوميات هؤلاء الأفراد، ولاسيّما حين يشكّون في قدراتهم على الإنجاب. وهذا الوضع لا يلبث أن يدمّر نشاطهم الجنسيّ الذي يبدأ بالانحدار بسبب طول الانتظار، وبقدر رغبتهم بالإنجاب بقدر ما يخفّ الغرام ويكثر العذاب.
فعندما يدخل الطبّ إلى الحياة الجنسيّة، يلغي العفوية والرغبة، وتصبح الممارسة فقط وسيلة للإنجاب مع علاقاتٍ مُبرمجة مُسبقاً خلال الإباضة، ممّا يَحرم الزوجين من حميميّتهما ويُسبب الاضطراب في حياتهما الجنسيّة. فكيف يُمكنهما المحافظة على حياةٍ جنسيّة “طبيعيّة” متحرّرين من هَوس الحمل؟ كيف يُمكنهما المُحافظة على رغبةٍ مُتأججة عندما يربط الرجل عفوياً عقمه بالعجز الجنسيّ، وعندما تشعر المرأة بأنّها مفصولة عن ذاتها متحمّلة مُعاناة علاجات التخصيب الثقيلة؟ ولا شعورياً نطرح هذا السؤال المُرعب: ما الحاجة إلى علاقةٍ جنسيّة عندما تكون عقيمة؟ فالتكنولوجيا تحلّ محل حياة جنسيّة تُعتبر غير نافعة.
وإن استمرّ الفشل، القلائل هم الأزواج الذين لا يدفعون الثمن، الذي غالباً ما يكون انفصالات مؤقّتة، لا بل أحياناً طلاقاً. في الواقع، إفساد حياة العشق بين الزوجيْن هو من الأسباب الرئيسيّة لإيقاف مؤقّت أو نهائيّ لهذه العلاجات.
دراسات حديثة انخفاض المُمارسة الجنسيّة عند 93% من الأزواج العاقرين أثناء العلاج، قد أُثبت في دراساتٍ حديثة: -نصف الأزواج اعتبروا أنّ قلّة المُعاشرة تعود بمسؤوليتها إلى العقم. -أمّا بالنسبة إلى النصف الآخر، فإنّ انخفاض المُعاشرة ناتجٌ عن إلزاميّة العلاقات الجنسيّة في مواعيد مُحدّدة. |
معاناة نسائيّة استثنائيّة
تتحدّث روان (32 عاماً) إلينا قائلةً: “أعلم أنّني أعاني من تكيّساتٍ متعدّدة على المبيضيْن وأنّ ذلك يستدعي من دون شكّ تدخّلاً طبيّاً جراحيّاً، لكنّني كنتُ أجهل كليّاً الجحيم الذي كان ينتظرنا. بدأت العلاج بمنشطاتٍ هورمونية. في كل دورة شهريّة كانت أيامي مُبرمجة بالحقن وأخذ عيّنات من الدم وإجراء صور صوتيّة. كان جسدي ينتفخ وقدمايّ تتورّمان، ناهيك عن الغثيان الذي يتبع كلّ حقنة. زاد وزني عشر كلغ خلال سنتيْن. كنتُ أشعر بأنّني بشعة وغير مرغوبة. لم تكن عندي الرغبة في أن يلمسني زوجي لأنّ جسمي كان يُقرفني. غياب العفوية الذي تفرضه المنشّطات لم يكن يساعد أبداً، بل كنّا نكتفي بعلاقاتٍ آلية مُبرمجة ومتمحورة حول تاريخ الإباضة. حياتنا الجنسيّة أصبح إيقاعها روزنامة الطبيب. وعندما بدأنا بالتخصيب الاصطناعيّ، لم يتغيّر شيء، بل على العكس من ذلك، كنّا نبقى أسابيع كاملة من دون ممارسة الجنس وبالنا مشغول بالمواعيد الطبيّة. لكن، بعد مرور سنتيْن على حملي الأوّل، استرجعنا حياتنا الجنسيّة الطبيعيّة“.
العقر يُصيب المرأة في هويتها الأنثويّة، فتعيش كأنّها غير نافعة وغير قادرة على القيام بما تقوم به سائر النساء طبيعيّاً، أي الإنجاب. كما أنّ الشعور بالذنب والخجل وعدم احترام ذاتها يَصحبها ليلاً نهاراً، مُسمّماً زواجها وحياتها، حتى الحميميّة. وهنا يبدأ العلاج، وتقلّ معه العلاقات الجنسيّة ليس فقط في الكميّة، بل في النوعيّة أيضاً، فالممّهدات تُمارس نادراً والرغبة تنطفىء إلى أدنى درجاتها واللّذة لم تعد الهدف المنشود، وتصبح الحياة الجنسيّة للمرأة خاضعة للإنجاب فقط.
إشارات بارزة -غياب الحمل هو عامل إرهاق مُزمن غالباً ما يُصيب الحياة الزوجيّة بطريقةٍ سلبيّة. -كل الأزواج الذين يعانون من العقم يشكون من قيود التحفيز وفقدان الحميميّة، ولكن القليل منهم يتحدّثون عن مشاكل جنسيّة. -أخذ عيّنات من السائل المنوي بشكلٍ متكرّر والعلاقات الجنسيّة المبرمجة، تضع الرجال تحت الضغط، مّما يُمكن أن يؤثّر على الإنتصاب وإمكانيّة القذف. -يمكن للعقم أن يُظهر ضعف العلاقة الزوجيّة. |
رجال مخصيّون في رجولتهم
ويروي لنا مالك (33 عاماً) تجربته: “عندما تأتي فترة الإباضة الشهريّة، يُصيبني حال من الهلع وأفقد القدرة على الإنتصاب. وفي المقابل، علينا ممارسة الجنس في الستة والثلاثين ساعة التي تتبع حقنة الدواء. تحاول زوجتي دائماً إخفاء ذلك عنّي، ولكنّني كنت أعرف جيّداً أنّه حان الوقت، فأفقد كلّ إمكانيّاتي ويشلّني القلق“.
يعاني الرجل العاقر ولكن بصمت، من دون أن يتجرّأ على الحديث عن مشاكله وشكوكه تجاه معاناة زوجته، ويشعر بالذنب لأنّه يتسبّب بإحباطها، ممسوساً في صلب رجولته، فيعيش كإنسانٍ مخصّي وعاجز. قد يحصل له أن يتماهى مع مكوّنات حيواناته المنويّة، لكنّه يفشل في الاعتراف بأنّها تمثّل عجزه. فإلزامه بالعلاقة مهما كان الثمن يكبحه ويجمّده، كما أنّ خلل وظيفتيْ الانتصاب والقذف (قذف سريع أو عدم إمكانيّة القذف) يحضران معاً إلى السرير الزوجيّ. وبالتأكيد، فشل وحيد يكفي لجرف الرجل العاقر في الإعصار المدمّر من الحلقة المفرغة للخوف من الفشل.
اضطرابات جنسيّة تمنع الحمل بالنسبة إلى 5% مِمَن يعانون من العقم، تُعتبر المشاكل الجنسيّة السبب الرئيسيّ المؤدّي إلى هذه الحالة، وهذه المشاكل قد تكون ذات جذور عضوية أو نفسيّة أو زوجيّة. أمّا الخلل الوظيفي الجنسي الأكثر شيوعاً، فيعود إلى: -حياة جنسيّة شبه معدومة (اضطرابات في الرغبة، نزاعات زوجيّة) -جُماع غير ممكن (تشنّج في المهبل، عسر الجماع بسبب الألم الشديد، خلل في الإنتصاب، قذف سريع قبل اليلاج خارج المهبل) -غياب تام للقذف الذكوريّ -تربية جنسيّة غير ملائمة، أي نقص في المعلومات أو المعتقدات المضللّة في مجال الجنس |
الأفضل عيش هذه التجربة
وصرّحت منى (36 عاماً) بالآتي: “لقد كان من الصعب علينا أن نعيش تجربة “الإنجاب بمساعدةٍ طبيّة” (AMP)، لكنّ ذلك لم يُسبب في انقطاع حياتنا الجنسيّة الحميميّة. لقد كنّا دائماً متواطئين ومتّفقين. عندما طلب منّا الأطباء تكثيف ممارسة الجنس، لم يصبنا ذلك بالاضطراب، بل على العكس حفّز مخيّلتنا. كلّ شيء أصبح مسموحاً من أجل القضية المنشودة. فالإستمتاع على الرغم من الهدف المعلن كان الحلّ الأفضل كيّ لا يتحوّل ذلك إلى هاجس. التلقيحات الاصطناعيّة، ثمّ التخصيب في المختبر لم تكن ممتعة، لكن وللغرابة أسقطت عنّا عبئاً: لم يعد مطلوباً منّا إنجاب طفل، فالعلم هو من سيتكفّل بذلك، كما أنّ ممارسة الجنس من أجل اللّذة سمحت لنا بتحمّل الأمر طيلة فترة العلاج“.
للمحافظة على حياةٍ جنسيّة متألّقة، من الأساسيّ الاحتفاظ بصورةٍ إيجابيّة كافية عن ذاتنا. لكن أثناء مرحلة “الإنجاب بمساعدةٍ طبيّة” (AMP)، غالباً ما يشعر الرجل بأنّه يهاجَم في رجولته، والمرأة في أنوثتها. يجب إذاً إقامة توازن في التقييم العاطفيّ والجنسيّ لكلّ منهما. وهذا يُمكن أن يحدث من خلال المُداعبات والنظرات العطوفة والمحبّة للآخر. فالصعوبة في إنجاب الأطفال لا تمنع من البقاء على وفاق وتَقاسم لحظات الرغبة. وذلك ما يسمح بتخطّي تجربة “الإنجاب بمساعدةٍ طبيّة”. ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّه قبل أن يكون االزوجان عقيميْن، كانا ثنائيّاً على أتمّ التناغم، وهذه المرحلة من عدم الخصوبة يعوّضانها بتمضية أوقاتهما معاً.